الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
التوكيد مصدر سمي به التابع لأنه يفيده، ويقال: أكّد تأكيدا، ووكّد توكيدا, وهو: معنوي ولفظي. فالمعنوي تابع بألفاظ مخصوصة؛ فلذلك استغني عن حده بذكرها. ثم المعنوى نوعان: أحدهما: يرفع توهم الإضافة إلى المتبوع. والثاني: يرفع توهم إرادة الخصوص بما ظاهره العموم. والأول بالنفس والعين, والثاني بكل وأخواته. وبدأ بالأول فقال: بالنفس أو بالعين الاسم أُكِّدا فتقول: ""جاء زيد" نفسه أو عينه" والمراد بهما حقيقته, وينفردان عن سائر ألفاظ التوكيد بجواز جرهما بباء زائدة. فإن قلت: فهل يجوز الجمع بينهما؟ قلت: نعم. وإنما عطف بأو؛ للتنبيه على أن كلا منهما يصح التوكيد به وحده. فإن قلت: فبأيهما يبدأ عند الاجتماع؟ قلت: بالنفس؛ لأنها عبارة عن جملة الشيء، والعين مستعارة في التعبير عن الجملة. فإن قلت: هل هذا التركيب لازم, أم على سبيل الأولوية؟ قلت: الظاهر أنه لازم، وقيل: إنه على طريق الأحسنية. ثم قال: .............. مع ضمير طابق المؤكَّدَا فنبه على أنه لا بد من إضافة النفس والعين إلى ضمير المؤكد, مطابقا له في الإفراد والتذكير وفروعهما, وتمثيل ذلك سهل. ثم قال: واجمعهما بأفْعُل إن تبعا... ما ليس واحدا تكن مُتَّبعا وإنما قال: بأفعُل احترازا عن جمع الكثرة، فإنه لا يؤكد بنفوس ولا عيون. وهو أولى من قوله في التسهيل: جمع قلة, فإن عينا جمع على أعيان ولا يؤكد به. وشمل قوله: "ما ليس واحدا" المثنى نحو: " قام الزيدان أو الهندان أنفسهما", والجمع نحو: "قام الزيدون أنفسهم والهندات أنفسهن". وترك الأصل في المثنى كراهة اجتماع تثنيتين، وعدل إلى الجمع؛ لأن التثنية جمع في المعنى. تنبيه: قال الشارح بعد ذكره أن الجمع في المثنى هو المختار: ويجوز فيهما أيضا الإفراد والتثنية. ووهم في ذلك؛ إذا لم يقل به أحد من النحويين. قلت: وأجاز ابن إياز -في شرح الفصول- التثنية, فقال: ولو قلت "نفساهما" لجاز. وكان الناظم أشار إلى منع الإفراد والتثنية بقوله: "تكن متبعا", ثم انتقل إلى النوع الثاني من نوعي التأكيد المعنوي, فقال: وكُلًّا اذكر في الشمول وكِلَا... كِلْتَا جميعا بالضمير مُوصَلا وأما كل, فلا يؤكد بها إلا ذو أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه غير مثنى. وأما كلا وكلتا فللمثنى، وأما جميع فبمنزلة كل. ثم أشار إلى وجوب إضافة كل وما بعدها إلى ضمير المؤكد بقوله: "بالضمير موصلا". فتقول: جاء الجيشُ كلُّه، والقبيلةُ كلُّها، والزيدان كلهم، والرجال كلهم أو كلها، أو كله على قياس "هم أحسن الفتيان وأجمله" وهو ضعيف, "وجاء الهندات كلهن أو كلها" وحكى الخليل كلتهن عن بعض العرب، وكذلك تقول في جميع. وتقول في المثنى: "جاء الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما". وقد فهم من قوله: "بالضمير موصلا" فوائد: الأولى: "أنه" ضمير مطابق للمؤكد؛ لأن أل فيه للعهد السابق في النفس والعين. الثانية: أنه لا يحذف استغناء بنيته، خلافا للفراء والزمخشري، ونقله بعضهم عن الكوفيين، وجعلوا منه قراءة من قرأ: "إنَّا كُلًّا فيها", "أي: إنا كلنا". وخرج على وجهين: أحدهما: أنه حال من الضمير المرفوع في "فيها". والآخر: "أنه" بدل من اسم "إن". الثالثة: أن كلا لا يضاف في التوكيد إلى ظاهر، وعلى ذلك نصوص النحويين, وذكر في التسهيل أنه قد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل، وجَعَلَ منه قول كثير: .................. يا أشبهَ الناس كلِّ الناس بالقمر __________
ونحوه، قيل: ولا حجة فيه؛ لاحتمال كون "كل" نعتا بمعنى الكاملين، فلم يفضله إلا على الناس الكاملين، وهو أمدح. تنبيهان: الأول: ما ذكر أن "كلا" للمذكر و"كلتا" للمؤنث، هو المشهور. وقال في التسهيل: وقد يستغنى "بكليهما" عن "كلتيهما". ومنه قول الشاعر: يَمُتّ بقربى الزينبينِ كِلَيْهِما... إليك وقربى خالد وحبيب وقال ابن عصفور: هو من تذكير المؤنث حملا على المعنى للضرورة، كأنه "قال": بقربى الشخصين. الثاني: ذكر في التسهيل أيضا أنه قد يستغنى "بكلهما" عن "كليهما" و"كلتيهما" في تأكيد المثنى, فيقال على هذا: "جاء الرجلانِ كلُّهُمَا" والمرأتان كلهما. ثم قال: واستعملوا أيضا ككل فاعله... من عم في التوكيد مثل النافله أي: واستعملت العرب في التوكيد وزن "فاعلة من عم" يعني عامة، وتوصل إلى ذكرها بذكر وزنها لتعذر دخولها في النظم. وأشار بقوله: "ككل" إلى أنها يؤكد بها ما سوى المثنى مما يؤكد بكل، وأنها تضاف إلى ضمير المؤكد. فيقال: "جاء الجيشُ عامتُهُ، والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم، والهندات عامتهن". قال في شرح التسهيل: وذكرت مع كل جميعا وعامة كما فعل سيبويه. وأغفل ذلك أكثر المصنفين سهوا أو جهلا، وإلى ذلك أشار بقوله: "مثل النافلة". قال الشارح: يعني أن ذكر عامة في ألفاظ التوكيد مثل النافلة أي: الزيادة على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، وليس هو في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكروه؛ لأن من أجلِّهم سيبويه -رحمه الله- لم يغفله. انتهى. قلت: خالف المبرد في "عامة" وقال: إنما "هي" بمعنى أكثرهم. ثم ذكر توابع "كل" فقال: وبعد كل أكدوا بأجمعا... جَمْعَاء أجمعين ثم جُمَعا فيقال: جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ, والقبيلةُ كلُّها جمعاءُ، والزيدون كلهم أجمعون، والهندات كلهن جمع". وقد فهم من قوله: "وبعد كل" أمران: أحدهما: واجب، وهو أن "أجمع" وفروعه لا يتقدم على "كل"، وفي الارتشاف بدأت بكل ثم بأجمع مرتبا، وقيل: على طريق الأولوية. والثاني: غالب لا واجب، وهو أنها لا تستعمل دون "كل". وقد أشار إلى جوازه بقوله: ودون كل قد يجيء أجمع... جمعاء أجمعون ثم جمع وهو معنى قوله في التسهيل: وقد يغنين عن "كل". قال الشارح: وهو قليل، وفي الارتشاف كثر ورود "أجمعين" في القرآن بدون "كل"، فهو توكيد كما يؤكد بكل، وليس من باب الاستغناء عن كل كما زعم ابن مالك. تنبيهات: الأول: ذهب الفراء إلى أن "أجمعين" تفيد اتخاذ الوقت، والصحيح أنها ككل في إفادة العموم مطلقا, بدليل قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}. الثاني: قد يتبع "أجمع" وأخواته بأكْتَع وكَتْعاء وأكتَعِين وكُتَع, وقد يتبع "أكتع" وأخواته بأبْصَع وبَصْعاء وأبصَعِين وبُصَع. وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته: أبْتَع وبَتْعاء وأبتَعِين وبُتَع. وإنما لم يتعرض في النظم لذلك؛ لقلة استعماله. الثالث: قال الشارح: ولا يجوز أن يُتعدَّى هذا الترتيب. وقال في شرح الكافية: ولا يجاء بأكتع وأخواته غالبا إلا بعد أجمع وأخواته على هذا الترتيب. انتهى. ومراعاة هذا الترتيب هو المشهور. وأجاز ابن كيسان أن تبدأ بأي الثلاثة شئت بعد أجمع, وهو ظاهر قوله في التسهيل بهذا الترتيب أو دونه. وقال ابن عصفور: وأما أبصع وأبتع فلا تبال بأيهما قدمتَ على الآخر. وأجاز الكوفيون وابن كيسان تقديم أكتع على أجمع. ومذهب الجمهور أنه لا يتقدم عليه. وأجاز الكوفيون وابن كيسان أيضا الاستغناء بأكتع وأخواته عن أجمع وأخواته، ومذهب الجمهور المنع. وقوله: حولا أكتعا ونحوه من الضرورات "وشذ" قول بعضهم: "أجمع أبصع", وإنما حق أبصع أن يجيء بعد أكتع. وأشد منه قول بعضهم: "جُمَع بُتَع"، وإنما حق "بتع" وأخواته أن يجاء بهن آخرا توابع لأبصع. الرابع: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني تأكيدا "للتأكيد". الخامس: لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع، ولا إلى النصب. السادس: لا يجوز عطف ألفاظه بعضها على بعض، فلا يقال: "قام زيدٌ نفسُهُ وعينُهُ", ولا "جاء القوم كلهم وأجمعون"، وأجاز العطف بعضهم وهو قول ابن الطراوة. السابع: ألفاظ التوكيد معارف، أما ما أُضيف إلى الضمير فظاهر, وأما أجمع "وتوابعه" ففي تعريفه قولان: أحدهما: أنه بنية الإضافة، ونسب إلى سيبويه. والثاني: أنه بالعلمية عُلِّق على معنى الإحاطة. قال محمد بن مسعود الغزني في البديع: وتعريفها تعريف علمي كتعريف أسامة انتهى، ولكون هذه الألفاظ معارف منع البصريون نصبها على الحال. وقوله: وإن يُفِد توكيد منكور قُبِل... وعن نحاة البصرة المنع شمل مذهب الكوفيين والأخفش جواز توكيد النكرة إذا كانت مؤقتة "وأجاز بعض الكوفيين مطلقا مؤقتة كانت, أو غير مؤقتة", ومنع ذلك البصريون وإلى الجواز ذهب المصنف؛ لإفادته ولورود السماع به. فإن قلت: على أي "المذهبين" يحمل كلامه؟ قلت: ظاهر النظم موافقة الثاني، إذ لم يشترط في الجواز غير الإفادة. وقوله في التسهيل: وإن أفاد توكيد النكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيين, يقتضي موافقة الأول إذ الأخفش ومن وافقه من الكوفيين خصوا ذلك بالمؤقتة على ما نقل عنهم. وقوله: "المنع شمل" المقيد وغيره. وقوله: واغْنَ بكلتا في مثنى وكِلَا... عن وزن فَعْلَاء ووزن أَفْعَلا استغني في تثنية المثنى بكلا وكلتا عن تثنية أجمع وجمعاء، فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان, خلافا للكوفيين وابن خروف في إجازتهم تثنيتهما قياسا معترفين بعدم السماع. فإن قلت: هل يجري خلافهم في توابع أجمع وجمعاء؟ قلت: في كلام بعضهم ما يشعر بإجراء الخلاف فيها، والقياس يقتضي إجراءه, وقوله: وإن تؤكد الضمير المتصل... بالنفس والعين فبعد المنفصل عنيت ذا الرفع................................... يعني: "أنه" إذا أكد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو بالعين, فلا بد من توكيده "قبلها" بضمير مرفوع منفصل، فتقول: "قُمْ أنتَ نفسُكَ" و"قمت أنتَ نفسُكَ". فإن قلت: فهل توكيده بذلك واجب؟ قلت: قال في شرح الكافية: لم يجز إلا بعد توكيده بضمير "مرفوع" منفصل. فلو قلت: "قوموا أنفسكم" لم يجز، وهو موافق لنصوص غيره من النحويين. وقال في التسهيل: ولا يؤكد بهما غالبا ضمير رفع متصل إلا بعد توكيده بمنفصل وأشار بقوله: "غالبا" إلى ما ذكره الأخفش في المسائل من أنه يجوز على ضعف "قاموا أنفسهم" وفي عبارة الفارسي لا يحسن. "فرع": إذا قلت: "هلم لكم أنفسكم" جاز دون توكيد للفصل الذي هو "لكم" وهذا بلا خلاف. فلا يتوهم أنه لا بد فيه من التأكيد, ذكره في الارتشاف. وقد فهم من قوله: "المتصل" أن المنفصل يؤكد بهما بلا شرط. ومن قوله: "عنيت ذا الرفع" أن المنصوب والمجرور "يؤكد" بهما بلا شرط, فتقول: "رأيتُكَ نفسَكَ" و"مررت بِكَ نفسِكَ". وإن شئت أكدتهما بالمنفصل. وقوله: ....... وأكدوا بما... سواهما والقيد لن يُلتزما يعني: أن ما سوى النفس والعين من ألفاظ التوكيد إذ أكد "بها" ضمير الرفع المتصل, لم يلتزم توكيده بمنفصل، وهو المعني بالقيد، ولكن يجوز فتقول: "قوموا كلكم". ولو قلت: "أنتم كلكم", لكان حسنا. ولما فرغ من التوكيد المعنوي, انتقل إلى التوكيد اللفظي فقال: وما من التوكيد لفظي يجي... مكررا كقولك ادْرُجي ادْرُجي التوكيد اللفظي: إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى. فالأول كقولك: "ادرجي ادرجي" ويكون في الاسم والفعل والحرف والمركب غير الجملة, والجملة، نحو: "جاء زيد زيد". ...................... أتاكِ أتاكِ اللاحقون ونَعَمْ نَعَمْ. ................ وحَتَّامَ حَتَّامَ العناء المطول ................... و... لكَ الله لكَ الله قال الشارح: وأكثر ما يجيء مؤكد لجملة. والثاني: نحو: انزل نزال. قال: ................ صَمِّي لما فعلت يهود صَمَام ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل. ومنه قوله: ................. أَجَلْ جير إن كانت أُبيحت دعاثره فإن قلت: عبارته ظاهرة في تناول الأول دون الثاني لقوله: "مكررا". قلت: إذا حمل على تكرار معنى المؤكد، ولم يختص بتكرار لفظه كما ذكر الشارح تناولهما. فإن قلت: ما إعراب صدر البيت؟ قلت: "ما" موصولة و"لفظي" خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة, و"يجي" خبر الموصول. أي: والذي هو من التوكيد لفظي, يجيء مكررا. قوله: ولا تُعِدْ لفظ ضمير متصل... إلا مع اللفظ الذي به وُصِل تقول: "قمتُ قمتُ" ونحوه؛ لأن إعادته مجردا تخرجه عن الاتصال. ثم قال: "كذا الحروف" يعني: أن الحرف لا يعاد إلا مع ما اتصل به أولا؛ لكونه كالجزء منه نحو: "إن زيدا قائم, إن زيدا قائم" و"في الدار, في الدار زيد" ولا يعاد وحده إلا ضرورة، نص عليه ابن السراج كقوله: ... ولا لِلِما بهم أبدا دواء وأجاز الزمخشري: "إن إن زيدا قائم", وتبعه ابن هشام. قال في شرح التسهيل: وقوله مردود؛ لعدم إمام يستند إليه وسماع يعتمد عليه. ولا حجة له في قول الشاعر: إن إن الكريم يحلُم ما لم... يَرَيَنْ من أجاره قد ضِيما فإنه من الضرورات. تنبيه: قال في التسهيل: لم يعد في غير ضرورة إلا معمولا بمثل عامله أولا أو مفصولا. ومثّل الفصل بقوله: حتى تراها وكأنّ وكأنْ... أعناقها مشددات بقرن وبقوله: ليت شعري هل ثم هل آتيَنْهم __________
قال: ومن الفصل المسموع, الفصل بالوقف كقوله: لا يُنسِكَ الأسى تأسيا فما... ما من حمام أحد مستعصما فظاهره أن مثل ذلك يجوز اختيارا. وصرح في الكافية وشرحها بقلة: حتى تراها وكأن وكأن ولم يجعل للفصل فيه أثرا. ثم استثنى من الحروف الجوابية فقال: ..... غير ما تحصلا... به جواب كنَعَمْ وكبَلَى فيجوز أن يؤكد بإعادة اللفظ من غير اتصاله بشيء فتقول: "نعم نعم" و"لا لا " و"بلى بلى". وذلك لأن الحرف الجوابي كالمستقل؛ لصحة الاستغناء به عن ذكر المجاب به. وقوله: ومضمر الرفع الذي قد انفصل... أكدْ به كل ضمير اتصل فيؤكد به المرفوع نحو: "قمت أنت", والمنصوب نحو: "رأيتك أنت", والمجرور نحو: "مررت بك أنت". وهذا من قبيل التوكيد اللفظي. "تنبيه": إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب نحو: "رأيتك إياك" فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: "فعلتَ أنتَ" والمرفوع تأكيد بإجماع. قيل: وكأنه يعني بقوله: بإجماع أنه يجوز، لا أنه يتعين فإنهم قد أعربوا "قمت أنت" بدلا. قلت: قوله في التسهيل: ولا يبدل مضمر من مضمر, يمنع من إعرابه بدلا. العطف إما ذو بيان أو نسق......... يعني: أو ذو نسق. والعطف كما ذكر قسمان: عطف بيان وعطف نسق. والنسق لغة: النظم، وقد يستعمل بمعنى المنسوق. عطف البيان: وقوله: .... والغرض الآن بيان ما سبق يعني: عطف البيان. وقوله: فذو البيان تابع شبه الصفه... حقيقة القصد به منكشفه "تابع": جنس يشمل الخمسة. وقوله: "شبه الصفه" أي: في التوضيح والتخصيص مخرج لعطف النسق والبدل والتوكيد. وقوله: "حقيقة القصد به منكشفه" يعني: أن إيضاحه للمتبوع إنما هو بشرح وتبيين لحقيقة المقصود, لا بدلالة على معنى في المتبوع أو في سببه، وبذلك فارق النعت. وقوله: فأولينه من وفاق الأول... ما من وفاق الأول النعت وَلِي لما كان عطف البيان بمنزلة النعت، وجب أن يوافق متبوعه في أربعة من عشرة كالنعت الخالص، فيوافقه في الرفع أو النصب أو الجر، والتعريف أو التنكير, والإفراد أو التثنية أو الجمع، والتذكير أو التأنيث. ولما كان في ورود عطف البيان نكرة تابعا لنكرة خلاف, نص عليه بقوله: فقد يكونان مُنَكَّرين... كما يكونان مُعَرَّفين ذهب الكوفيون والفارسي وابن جني والزمخشري وابن عصفور إلى جواز تنكيرهما، وإليه ذهب المصنف. وقال الشارح: أجازه أكثرهم, قال: وليس قول من منع بشيء؛ لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد كما تقبل المعرفة التوضيح به، كقولك: "لبستُ ثوبًا جُبَّةً". ونظيره من كتاب الله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ}. وقال ابن عصفور: ذهب أكثر النحويين إلى امتناعه، وزعم الشلوبين أن مذهب البصريين التزام وتعريف التابع والمتبوع في عطف البيان. قال المصنف: ولم أجد هذا النقل من غير جهته، ونقل عن بعضهم تخصيصه بالعلم, اسما أو كنية أو لقبا. تنبيهان: الأول: فهم من كلامه أن تخالفهما في التعريف والتنكير ممتنع، وأجازه الزمخشري فجعل قوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} عطف بيان على {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} قيل: وهو مخالف لإجماع الفريقين، فلا يلتفت إليه. الثاني: اشترط الجرجاني والزمخشري زيادة تخصيص عطف البيان على متبوعه، قال في شرح الكافية: وليس بصحيح؛ لأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت. قال: وقد جعل سيبويه "ذا الجُمَّة" من "يا هذا ذا الجمة" عطف بيان, مع أن تخصيص هذا زائد على تخصيصه. وقال في شرح التسهيل: زعم أكثر المتأخرين أن متبوع عطف البيان لا يفوقه في الاختصاص بل يساويه، أو يكون أعم منه. والصحيح جواز الأوجه الثلاثة, قال: وهو مذهب سيبويه. قلت: فتحصلت ثلاثة مذاهب. وقوله: وصالحا لبَدَلية يُرَى.................... يعني: أن كل ما حكم "عليه" بأنه عطف بيان, فجائز جعله بدلا، إلا في موضعين أشار إلى أحدهما بقوله: في غير نحو: غلامُ يَعْمُرا ويعني به ما كان مفردا معرفة معربا ومتبوعه منادى، فإنه ينصب بعد منصوب نحو: "يا أخانا زيدا" وينصب ويرفع بعد مضموم نحو: "يا غلام زيدا أو زيد", ومثله: "يا غلام يعمرا". فهذا ونحوه عطف بيان لا بدل، إذ لو جعل بدلا تعين بناؤه على الضم؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، فيلزم تقدير حرف النداء معه بخلاف عطف البيان. ثم أشار إلى الآخر بقوله: ونحو بشر تابع البكريّ ويعني به ما كان تابعا لمجرور بإضافة صفة مقرونة بال "وإليه", وهو غير صالح لإضافتها إليه كقول الشاعر: أنا ابن التارك البكريِّ بشرٍ... عليه الطير ترقبه وقوعا فبشر عطف بيان، ولا يجوز أن يكون بدلا لما يلزم من تقدير إضافة التارك إليه؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، وهو غير صالح لذلك، إذ لا يضاف ما فيه أل إلى عارٍ منها. ونُقِل عن المبرد أنه لا يجوز في بشر إلا النصب، ولا يجيز جره لا على البدل, ولا على عطف البيان. وأجاز الفراء في "بشر" أن يكون بدلا؛ لأن مذهبه جواز إضافة ما فيه أل إلى جميع المعارف. وإلى تضعيف مذهبه, أشار بقوله: وليس أن يُبدِل بالمرضي وقد نقل جواز البدل في "بشر" عن الفارسي أيضا. تنبيه: استدرك على المصنف أمور ينفرد بها عطف البيان, لم يتعرض لها: الأول: أن يفتقر الكلام إلى رابط، ولا رابط إلا التابع نحو: "هند ضربت الرجل أخاها". الثاني: أن يضاف أفعل التفضيل إلى عام ويتبع بقسيميه نحو: "زيد أفضل الناس الرجال والنساء أو النساء والرجال". الثالث: أن يتبع الموصوف "به" أيضا بمضاف نحو: "يا أيها الرجل غلام زيد". الرابع: أن يتبع مجرور أي بمفضل نحو: "بأي الرجلين زيد وعمرو مررت". الخامس: أن يتبع مجرور كلا بمفضل نحو: "كلا الرجلين زيد وعمرو قال ذلك". ومسائل أخر في باب النداء، وهي مفهومة من تعليل "يا غلام يعمرا", فلا حاجة لذكرها.
|